محليات
حضر الافتتاح المطران سمير مظلوم ممثلا البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، سفيرة كندا إيمانويل لامورو، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية والرئيس الأعلى للجامعة الأب العام الأباتي نعمة الله الهاشم، الأب المدبر في الرهبانية طوني فخري، أمين السر العام للرهبانية الأب ميشال أبوطقة، مدير المعهد السويدي في الإسكندرية بيتر ويدرد، نائب رئيس الجامعة الأول ومدير مركز دراسات الأقليات في الشرق الأوسط الأب يوحنا عقيقي، نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية الأب طلال هاشم، أعضاء مجلس الجامعة وحشد من الفاعليات الدينية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والتربوية والمشاركين في المؤتمر من لبنان وخارجه.
عقيقي
بعد النشيد الوطني، شكر عقيقي، باسم رئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة الموجود حاليا خارج البلاد، رئيس الجمهورية على رعايته هذا المؤتمر، "لاسيما أنه هو الذي أعلن "بيروت مدينة نموذجية للعيش معا والحوار بين الأديان"، وأثنى على حضور الوزير تويني ومشاركته في المؤتمر ممثلا الرئيس.
وقال: "بعد إلقاء نظرة سريعة على الوضع السياسي الراهن على الساحة الدولية والشرق أوسطية، تظهر أمامنا صورة قاتمة وغير مشجعة. إذ إن الشرق الأوسط بعيد كل البعد ليكون الأرض الموعودة لإبراهيم. وكذلك هو الأمر بالنسبة الى الغرب الذي يعاني الجرح نفسه ينهش نسيجه الاجتماعي. وعندما بادر العالم أجمع إلى إسقاط الحدود التي تحدد الأراضي والأمم والأملاك، وعندما انفتحت الأسواق العالمية وعرفت وسائل الاتصال التي تسهل التواصل والعلاقات الاجتماعية، تطورا هائلا، ظهرت الإنسانية كإنسانية منفعلة مصابة بمرض التوحد الجماعي وبجنون العظمة المجتمعي وبالسادية النرسيسية العشائرية أو الجماعية".
وأضاف: "لا يمكن أن تنتشر هذه الانحرافات والآلام اليومية، بهذه السرعة القياسية، لولا وسائل الاتصال نفسها ومصادر المعلومات، التي غالبا ما تقوم على تفسيرات خاطئة للمصادر الإنجيلية المؤسسة للقوانين والأنظمة الاجتماعية والأخلاقية. وبالرغم من الجهود التي يبذلها أصحاب النية الحسنة والكتابات حول قضايا العنف والظلم والعنصرية والأصولية والسلفية والأنانة المفرطة والحوارات بين الأديان والثقافات التي لا تحصى ولا تعد، لم يقدر أي قانون طبيعي أو قدر، ولا عناية إلهية أو أي حكمة سامية، ولا حتى أي اتفاق قانوني أن يقنع المسؤولين في العالم المتقدم على ألا يمضوا قدما في اللعبة السياسية المتعلقة بهجرة الشعوب أو القبول بالانخراط الكامل للسكان الأصليين، سودا كانوا أو بيضا، كفارا أو ملحدين. هكذا، وباسم القانون الإلهي أو حتى باسم الله نفسه، بتنا نرفض الآخر المختلف ونشرع موته ونمنع أن يكون له مقبرة تليق بإنسانيته".
وتابع: "إذا فرزت الحروب الدائرة في منطقتنا حالات فظيعة تصل إلى جرائم حرب، كنبش القبور وجرفها، وكأننا نقول للمسيحي، في العراق أو في سوريا، لا مكان لك هنا بعد الآن، لا أنت ولا أمواتك، تكون الحال رفضا نهائيا وقطعيا للعيش معا، وتصبح المعادلة كما تتضح في الواقع: "نموت معا لنعيش معا". وإذا كان أجمل ما في حياة الثنائي أو العائلة أن يعرفوا أنهم سيدفنون بجانب بعضهم البعض، ينطبق الأمر عينه على العشيرة والأفراد المنتمين إلى طائفة أو مذهب أو وطن أو عرق واحد. إلا أن الموت معا بهدف الاستمرار في العيش معا، لا يتطلب حقا عائليا أو مجتمعيا ولا قانونا، دينيا كان أم مدنيا، ولا حتى أي انتماء جغرافي أو أي ارتباط عاطفي، بل كل ما يتطلبه هو الحب ولا شيء غير الحب. وهكذا، يحررنا الحب من فرديتنا ويحقق ذاتيتنا ووجودنا المحسوس والفريد وتقديرنا لأنفسنا وانفتاحنا على الآخر في إطار الاحترام والثقة وقبول الاختلاف. وصحيح أن الحب المحرر هو مكون لشخصية جديدة، ولكنه أكثر من ذلك، هو كاشف لهوية بشرية خلقت على صورة الله، المحبة".
ويدرد
ثم كانت كلمة ويدرد الذي اعتبر أن "تنامي أهمية الهوية بفعل الهجرة والعولمة وتلاشي الحواجز الفكرية والجسدية هو من الأسباب الرئيسة التي جعلت من الدين مسألة سياسية أكثر فأكثر. ويصعب إيجاد بديل من العيش معا كإنسانية واحدة تتحد في ما بينها بتعدديتها وتنوعها في هذا العالم. وتجدر الإشارة إلى أن الشرق والغرب يتشاركان في نزعة سياسية قائمة على الاستقطاب والشعبوية والحمائية حيث تختفي كل أشكال الاختلاف بين المسيحيين والمسلمين، وبين الأوروبيين والعرب. وتتمتع دول الشرق الأوسط بتجربة قديمة مع تعدد الأديان والثقافات التي تعيش جنبا إلى جنب مع بعضها البعض. ولبنان مثال مميز عن هذا التعايش، فهو الذي واجه تحديات تاريخية وحروبا عدة، لكنه يظهر اليوم مقاومة صامدة في حين تتهاوى البلدان المجاورة واحدة تلو الأخرى".
وأشار إلى أن "حرية الدين والمعتقد كجزء من حقوق الإنسان تقوم على ثلاثة مبادئ، هي: حرية الدين، الحرية من الدين، وحرية الاختيار. ومن هنا، إن حرية الدين والمعتقد هي دعوة للحوار بين مختلف الفئات، ودعوة للنظر إلى الدولة كدولة علمانية، وهي دعوة لتقدير التنوع وللتسليم بأن التعددية في المجتمع أفضل من الناحية الاقتصادية، وأكثر تحفيزا من الناحية الثقافية، وختاما، هي دعوة للحب ولاحترام الآخر والاهتمام به".
لامورو
بعد ذلك، تحدثت السفيرة لامورو مثنية على "هذا المؤتمر المتعدد الاختصاصات الآيل إلى مناقشة تحديات العيش معا والسياسات القادرة على مواجهتها". وأشارت إلى أن "الفرنكوفونية ليست مجرد لغة بالنسبة إلى كندا بل هي مجموعة قيم متبادلة، مثل السلام والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والتنمية المستدامة والتضامن. وتأخذ هذه القيم العالمية منحى جديدا في ظل الفرنكوفونية التي تتداخل في 5 قارات وتجمع الدول العظمى السبع. لذا، أصررنا على أن نناقش موضوع العيش معا خلال شهر الفرنكوفونية، هذا الموضوع الذي يشكل اليوم تحديا عالميا أساسيا ويطول السلام الاجتماعي وسلم القيم والأخلاق. فلا معنى للعيش معا من دون تنوع، والتنوع من دون العيش معا يصبح مصدرا للنزاعات لا للغنى".
وأضافت: "تعود أصول سكان كندا لأكثر من 200 جنسية. فصحيح أننا تعلمنا كيف نعيش معا، ولكن تعلمنا أيضا كيف نحصد الأرباح، من ضمنها الأرباح الاقتصادية، من هذا التنوع. ويهمنا أن نؤكد مرة أخرى، من خلال هذا المؤتمر، وعشية مؤتمر روما 2، التزام كندا الكامل تعزيز السلام والأمن في لبنان والمنطقة ومكافحتنا الدائمة لظاهرة رهاب الأجانب والتطرف العنيف. وشهد العقد الأخير على ضغط كبير ضد الديموقراطية والاستقرار الاجتماعي وحقوق الإنسان في كل أنحاء العالم. وظهر التنوع الفكري والجندري والديني والعرقي كتهديد عالمي، واستعمل الأمن والاستقرار ذريعة تبيح انتهاك حقوق وحريات الأقليات والفئات المهمشة. طبعا، هذه التحديات تعنينا جميعا من دون استثناء، وهدفنا أن نتشارك تجربتنا مع البلدان المتعددة والمتنوعة في تركيبتها".
تويني
وفي ختام الافتتاح، ألقى ممثل رئيس الجمهورية الوزير تويني كلمة قال فيها: "يسعدني أن أكون حاضرا بينكم اليوم ممثلا فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي كلفني فشرفني تمثيله في افتتاح هذا المؤتمر الرفيع المستوى، وأنقل لكم أطيب تمنياته بالنجاح".
وأضاف: "إن العالم يعيش بقلق تداعيات الأزمات المتلاحقة التي تهزه شرقا وغربا، والتي يمكن وضعها بمجملها في إطار تحديات العيش معا. فعالم اليوم بات قرية كونية، تلاشت معها حدود وبرزت فيها آفاق جديدة. إلا أن هذا الواقع، بدل أن يساهم في صياغة قيم إنسانية في التلاقي أدت إلى إظهار الاختلافات التي بات معها التنوع الديني والاثني والسياسي والاجتماعي شرارات تولد نزاعات دموية وأليمة. فبات الآخر المختلف هو المستهدف بدل أن يكون الغاية".
وشدد على "أن عالم اليوم أحوج ما يكون إلى التقارب، وهو أول درجات الاقتناع بالعيش معا الذي يوجب الاعتراف بأن أي وطن هو مساحة من الأرض صنعها التاريخ وقادها البشر، وهم مختلفون أساسا. هذه المساحة مع أبنائها لا تستمر إلا بهذا التلاقي الذي يجمع إليه مواهب الجميع وخصوصيات الجميع، في احترام متبادل وشراكة حقيقية، دافعها ليس فقط قبول الآخر كما هو، بل أكثر، احترامه في خصوصياته، وعندها يكون انتساب الجميع إلى تراث غنى مشتركا ومتبادلا. وما يؤذي هو حينما لا ينظر البعض إلى الوطن كمجموعة أبناء هم في وحدة كيان بل كمجموعة أفراد هم في تصارع دائم على مصالح ونفوذ".
وتابع: "لقد اختبر لبنان أن أي مكون من مكوناته متى نظر إلى الباقين بهذه النظرة، فإن الخسارة تكون للجميع، و"العيش معا" أي جوهر كيان لبنان هو الضحية. فإذا كان للبنان أن يقدم مساهمته المتواضعة للإنسانية الشاملة، من خلال توطيد حقيقة "العيش معا"، ليبقى "رسالة"، فهو أن يدعو إلى التأسيس على الديموقراطية النابعة من العيش اليومي، تلك الطالعة من قناعة الضمير، وقوامها المواطنة الحقة، لا تلك المسيرة بآليات، غالبا ما ينكشف ضعفها لأنها تفتقد إلى القناعة. نحن اللبنانيين لنا أن نصبح "خير أمة أخرجت للناس"، في تعاوننا لنعطي الشرق والغرب، في تواضع، هذه الأمثولة من أمثولات العطاء المشترك".
وختم تويني مشددا على "ضرورة توطيد العيش معا كمفهوم من مفاهيم عالم الألفية الثالثة. وعلى رغم الصعاب اغتنم هذه المناسبة لأتوجه بالتقدير إلى كل من ساهم في إعداد هذا المؤتمر، وفيه من الوجوه الآتية من شرق وغرب ستعمل على إغنائه. وكلي أمل أن تأتي توصياته على مستوى تطلعاتنا من أجل غد أفضل لشعوبنا وأوطاننا".
الجلسات
ويستمر المؤتمر 3 أيام، تعقد خلالها جلسات بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين والخبراء من لبنان والخارج للبحث في عدد من المواضيع، ومنها: أي إدارة ديموقراطية للتعددية؟ الآفاق المواطنية والإيديولوجية للعيش معا، العيش معا على مفترق طرق بين القومية والتعددية الثقافية والتواصل الثقافي، العيش معا تحت ثقل الجيوسياسية في ظل نظام وستفاليا متصارع، العيش معا الخاص بميثاق أبراهام عند ساعة الحداثة، السياسات المطبقة في التربية على المواطنة والعيش معا.
في بكركي
وكان المشاركون في المؤتمر، زاروا قبل الافتتاح، الصرح البطريركي في بكركي، حيث التقوا البطريرك الراعي الذي أثنى على أهمية الموضوع الذي يطرحه المؤتمر، خصوصا أنه يدعو مع رئيس الجمهورية الى أن يكون لبنان مركزا لحوار الأديان.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار